الحكومة الشرعية وسلطة الحرب والفساد في اليمن

 

 

تبدو مهمة حكومة الدكتور معين عبدالملك شاقة إلى حد لا يمكن تصوره ، فبقدر ترحيب اليمنيين بهذه الحكومة ورهانهم عليها في تخفيف المعاناة الاقتصادية واستئناف معركة تحرير ما تبقى من المدن اليمنية من سيطرة مليشيات الحوثي، إلا أن الوقائع تكشف أن الحكومة التي منحت الأمل للناس، تركت وحيدة في مهب العواصف، بدون أي دعم، وكأنها لا تعني اليمنيين أو تمثلهم..!! 

 

 

منذ وصولها مطار عدن الدولي نهاية ديسمبر من العام الماضي 2020، استقبلتها صواريخ المليشيات الحوثية الانقلابية المسيطرة على العاصمة صنعاء، وكان ذلك بمثابة التحدي الأول والأبرز، لرئيس الوزراء وحكومته التي طال انتظارها، غير أن صمودها وبقاءها في العاصمة المؤقتة عدن، اكسبها تعاطف وتأييد واسع في الشارع اليمني.

 

بوقوع الجريمة وجد المتضررون من تشكيل الحكومة، فرصة للنيل منها، وفرصة لصب مزيد من الزيت على النار، فتسابقت الشخصيات والمواقع الإلكترونية المتناقضة، لإطلاق وترويج اتهاماتها في كل اتجاه، فكادت الحقيقة تختفي، لكن الجريمة كشفت للرأي العام، حجم ومستوى استياء وسخط تلك القوى من تشكيل هذه الحكومة، وكشفت رغبتها في إفشالها مبكرا.

 

لسنا في مقام الدفاع عن حكومة الدكتور معين، فنجاحها يحسب الإتفاق الرياض وللقوى السياسية وفشلها كذلك، بل نتحدث عن المستوى المخيف من العداء الذي باتت تكنه بعض الأطراف والقوى اليمنية المهيمنة، لفكرة الدولة ومؤسساتها الذي كشفه تشكيل هذه الحكومة، وكيف سحقت الحرب فكرة الدولة في أذهان البعض لصالح تعزيز سلطة النهب والفساد وتفتيت الدولة اليمنية..!!

 

بعد عام وأكثر من الفراغ الحكومي، والانهيار الإقتصادي والانقسام السياسي الحاد بين المكونات اليمنية المؤيدة للشرعية، وبعد مرحلة من اليأس والإحباط التي عاشها الشعب اليمني، توافق الفرقاء في الرياض اخيرا، واتفق الجميع على تشكيل الحكومة، فمثلت حالة إنعاش حقيقية اعادات الأمل للناس، بالمقابل فقد مثل تشكيل الحكومة وعودتها إلى عدن حالة فزع لدى شبكات المصالح الغير مشروعة التي تشكلت في ظل الفوضى والغياب الحكومي. وباتت ترى في عودة الحكومة تهديد لمصالحها تلك. 

 

لم يسبق لليمنيين الاحتفاء بتشكيل حكومة كما حدث مع حكومة الدكتور معين، الحالية، حدث مثل هذا ما كان يثير اهتمامات الناس، طالما لا يعني لهم شيئا. أما والأمر يتعلق بإعادة توحيد القوى اليمنية في مواجهة المليشيات الحوثية، فهو محل ترحيب وجدير بالاهتمام.

 

يمكن تفهم مشاعر اليمنيين المرحبة بتشكيل وعودة الحكومة، من كونها تمثل شرعيتهم التي يقاتلون من أجلها، إضافة لما يمثله غياب الحكومة من تنامي المشاريع والكيانات والسلطات الطائفية والمناطقية وتعاظم المخاطر وانهيار الاقتصاد وتصاعد الفوضى وانسداد الأفق. 

 

حتى وهم لا يراهنون على صمودها في عدن، ولا على أعضاؤها، إلا أن اليمنيين وجدوا أنفسهم فجأة وبشكل لا يصدق أمام موقف جيد لحكومة تنتمي لهم . خاصة وأن هذا الموقف والصمود الكبير مرتبط دائما بالإنحياز إلى الناس ، وبإتخاذ قرار مواجهة المخاطر نيابة عنهم. 

 

ذلك ما جسده موقف الحكومة وصمودها بعد جريمة قصف مطار عدن. وهو موقف لطالما افتقده اليمنييون من حكوماتهم السابقة، وشعر الجميع أنها حكومة تستحق دعواتهم وتعاطفهم.

 

يمكن للبطولة ان تلهم الناس وتوحدهم في لحظات استثنائية وحاسمة، لكنها لا تكفي أو ليست مطلوبة حين يتعلق الأمر بتحقيق نجاحات اقتصادية ومعيشية وتنموية في أوضاع الحرب والفوضى والانفلات التي تعيشها اليمن.

 

ذلك يتطلب منطق آخر وأدوات وإجراءات مختلفة تماما. يتطلب تعاون وتشارك وشعور بالمسؤولية من قبل الجميع، جميع الأطراف الموقعة على اتفاق الرياض. وعلى هؤلاء جميعا التصدي معا لتركة ثقيلة من الفوضى والعبث والاستغلال والمتاجرة التي انتعشت في الفوضى وباتت تشكل تحدي حقيقي أمام نجاح الحكومة. 

 

قدر حكومة الدكتور معين عبدالملك ان تنتصر للناس، وهذا عشم اليمنيين بها، لكنها رغم كل ما قيل عنها وعن دعمها الذي لم يتم حتى الآن، لا زالت تواجه عقبات وعراقيل تمثل تحديات حقيقية أمامها. فالحكومة التي دخلت قصر المعاشيق على وقع الصواريخ وتهديدات الطيران المسير للحوثيين، لا تعرف من أين تبدأ، ولا تعرف من تواجه بالتحديد، فهي كمن وضع في حقل الغام..!!

 

بمجرد استقرار الحكومة في عدن، وجدت نفسها في مرمى النيران الصديقة، وأمام حملات إعلامية ممولة وموجهة ضد رئيس الوزراء يقف خلفها مسؤولين سابقين، وشبكات مصالح وتجار حروب وطامحين لا يتورعون عن الإعلان عن طموحاتهم ولو بلغة ركيكة وخفة عقل، إلى عراقيل أخرى ينصبها أولئك الذين تشكلت مصالحهم في غياب الحكومة، واستفرادهم بإستغلال المصالح والمؤسسات العامة في عدن، ومن يشعرون بأنهم فقدوا مصالحهم ومواقعهم مع اتفاق الرياض، بالإضافة إلى نوع اخر من المحسوبين على الشرعية وهم وكلاء لمشاريع تضع خناجرها في خاصرة الحكومة.

 

وفي واحدة من سخريات التاريخ، أن نجد هذه التوليفة المتنافرة التي شكلتها ظروف الحرب والفوضى، تتنافس وتتصارع وتتقاتل على السيطرة والنفوذ علنا، لكنها تتفق وتتعاون وتتشارك في ترتيب واحترام مصالحها الغير مشروعة في السر، كما تتفق في استهداف الحكومة التي تجدها تهديدا لتلك المصالح، وكل جهة تنشط من حيث موقعها وقدرتها على استهداف الحكومة..!!

 

ما ينبغي على اليمنيين معرفته، هو أن الحكومة، أي حكومة يمنية ناجحة وقوية، يفترض أن تعتمد على مواردها المحلية، وتعمل على تشغيل وحماية مقدرات اليمنيين وثروات البلد، ذلك بأن النجاح يصنع من الداخل، والحكومة القوية هي تلك التي تبسط سيطرتها على مؤانى ومطارت اليمن وتبدأ بتشغيل المصانع والشركات، وتصدير النفط، والاستفادة من مواردها المحلية وإعادة تفعيل الأوعية الإيرادية، واستعادة القرار والسيادة على ثروات اليمن ومقدراته، وإعادة تشغيلها لصالح اليمنيين، بدل الركون على المساعدات والمنح والهبات التي تعزز الركون على الخارج، وهذه المهمة الرئيسية للحكومة الحالية التي يجب الالتفاف حولها، لبسط سيطرة الدولة على مواردها.

 

نعلم أن ذلك أمر قد يبدو صعب في الوقت الحالي، لكن ما يجب على اليمنيين معرفته وإدراكه، هو أن هذه قد تكون آخر محاولة لاستعادة دولتهم ومواردهم من قبضة تجار الحروب وأصحاب المصالح غير المشروعة.

 

تقود الحكومة مشروع استعادة دولة ويستميت الفاسدين وناهبي الموارد وتجار الحروب والمشبوهين وشذاذ الآفاق في الدفاع عن مصالحهم غير المشروعة، موظفين الأموال المنهوبة في تمويل حملات إعلامية بائسة لاستهداف رئيس الحكومة.

 

مقابل الحفاظ على مصالحهم الغير مشروعة وتنميتها على حساب مصلحة الناس، لا ينفك تجار الحرب وسماسرة الأزمات من استغلال أي حدث لتوظيفه ضد رئيس الوزراء والحكومة، فبعد أن مارسوا كل أشكال النهب القرصنة للمال العام، ومساهمتهم في عدم التزام بعض المحافظات بتحويل الإيرادات إلى البنك المركزي في عدن، والتلاعب بالعملة ومضاعفة الأزمة الإقتصادية، نجدهم يوظفون مطالب المواطن، وتحويلها إلى مطالب سياسية لابتزاز الحكومة وممارسة مزيد من الضغط عليها، في الوقت الذي لم تستطع ولم يسمح لها بالحصول على مواردها المالية المشروعة. 

 

لا يمكن بأي حال من الأحوال الدفاع عن الحكومة ورموزها، لكن في زمن الحروب والأزمات، تصبح الحكومة هي الأضعف، وبحاجة الى الدعم لتتمكن من بسط نفوذها على تراب الوطن وموارده، بما هي خيار الغالبية من الناس، فيما تغدو الجريمة والاستغلال ورموزهما هما السلطة الفعلية التي يجب الوقوف في وجهها وبلا مؤاربة.

 

وفي ثنائية الحكومة والسلطة تلك، نجد الحكومة اليمنية الحالية لا تحصل على موارد الدولة في المحافظات بينما تتقاسمها شبكات مصالح وفساد ومناصب قيادية لصالحها الخاص، لتبقى الحكومة هي المتهم في مواجهة شعبها. فيما يحظى الناهبون بمزيد من الوقت والفرص لتقاسم المصالح والموارد والمدن والمحافظات بلا أدنى شعور بالخجل.

 

تمضي حكومة الدكتور معين عبدالملك في طمأنة الناس وهي غير مطمئنة اصلا، تحاول الصمود وتحسين مستوى معيشة الناس، في الوقت الذي تفتقر فيه للموارد الكافية. وفي الوقت الذي تصمت فيه الأحزاب السياسية التي من المفترض انه يقع على عاتقها مهمة وطنية تاريخية لإنقاذ الوطن والمستقبل.

 

 

أمام الحكومة خياران اما الانتصار لشعبها ببسط سلطتها على كافة المناطق المحررة وإدارة مواردها وثرواتها بما يحسن المستوى الاقتصادي للناس، وهذا خيار يتطلب شجاعة ودعم ومؤازرة أو الخيار الآخر وهو التخلي عن دورها الدستوري والوطني، والتسليم بتعدد السلطات وتزايد الفساد والنهب والافقار للشعب ونهب مقدراته وهو خيار لا نتمناه من الحكومة ولا يبدو مطروح أمامها، كما لا يرضاه شعبنا ولن يقبله.

نسعد بمشاركتك